في مقال له سنة 1975 بعنوان «Entrée dans le Bureau Arabe» قدم بيرك شهادة مفصلة عن ذلك الدور الذي تميز به في مكتب العرب، مقاله المعنون «مائة وخمس وعشرين سنة من السوسيولوجيا المغربية» سنة 1965، هو الآخر لم يغفل دور مكاتب العرب في الرصد والتوثيق المفصل لشؤون الأهالي في شتى المجالات والصعد والذي تحمل هو فيه مهمة الإشراف على ملف «الشكاية» وأعياد العرب والحرائق.
الى جانب ذلك فقد كان بيرك يضطلع بهمة معرفية داخل مكتب العرب، حيث لم تمنعه مواقفه المناهضة للاستعمار من الشغف بالتعرف عن كثب على تلك الأقلام التي أطلق عليها الحاكم Dilavignette اسم «الحكام الحقيقيون للإمبراطورية» الفرنسية، ففي كتاباتهم وطرائق بحثهم وتحقيقاتهم الميدانية ما يستحق عناء المتابعة والمطالعة، لذلك لم ينتقص بيرك من انجازات كتاب مكاتب العرب، فهي على علتها تمثل «الشكل الأكثر تفهما في إدارة العهد الاستعماري» من هنا تحفظ بيرك كثيرا من مبالغات زميله L. Massignon، الذي انتقد بشدة تلك المؤسسة واعتبرها مجرد «وكرا من أوكار الجوسسة» الذي تستخدمه الإدارة الاستعمارية في استغلال الأهالي. إن مآخذ بيرك على مكاتب العرب لم تكن عدمية فهو لم ينكر عليها سوى جمودها وعدم قدرتها على التكيف مع عالم متحرك يتجه نحو المستقبل، كما استهجن عجزها وعدم قدرتها على رؤية «التاريخ من الأمام» وليس من الخلف وتقوقعها بالتالي في حلقة الماضي، وبعبارة جامعة يقول بيرك أن «الفرنسيين بقوا روادا لكن لم يكونوا عدولا حيال التاريخ»، فهم لم يهضموا بعد أن فكرة الاستعمار ليست إلا لحظة عابرة وانتقالية في الزمان وليست بالأبدية.
إجمالا فإن مكتب العرب الذي نشأ في الجزائر على يد الرقيب de Lamoricière وبقيا يخضع لسلطة الضباط الشباب والإداريين العسكريين، لم يكن ليمنع بيرك من إنصاف الباحثين العاملين بأروقته، إذ يجب بحسبه «أن يعطى الحق لأولئك الباحثين الأوائل هذا على الرغم من المنهج الغير الدقيق الذي استعملوه وعلى الرغم من موسوعيتهم الهشة في الغالب، إلا إنهم هم الذين روجوا لعددا كبير من المباحث الذي لا زلنا نعتمد عليها، هذا بغض النظر عن كونها خاطئة أم صائبة» (بتصرف) يقول بيرك.