جاك بيرك هو من مواليد مدينة فرندة الجزائرية سنة 1910 التي كان يعمل بها والده أوجستين بيرك كمسؤول إداري بعد حصوله سنة 1936 على شهادة الأدب الكلاسيكي، رفض بيرك العمل بالتدريس وفضل الذهاب الى الجزائر مقاطعا بذلك دراسته التي ابتدئها في السربون بعد عام ونصف، بعث به والده الى الهضاب العليا بالحضنة ليعمل ضمن الإدارة الاستعمارية، لقد استغل بيرك هذه الوظيفة ليجمع من خلالها المادة الأساسية التي سيكتب منها أول مقال له الذي نشر لاحقا في المجلة الافريقيا، في سنة1934 وفي غمار عمله كمراقب لدى محاكم الأهالي الذي كان بيرك يحبذه ويستمتع به نشر ولأول مرة سنة 1936 كراسة بعنوان études des contrats nord-africains لقد استمر هذا العمل المزدوج (الإداري والعلمي) معه مدة عشرين سنة، فأصبح بذلك رجل مكاتب العرب التي لم يكن يطمئن لها كثيرا وذلك لنهجها السكولاستيكي والآكاديمي المتكلف الذي عفى عنه الزمن، فهو رجل معتز بنفسه ويفضل الحياة المعرفية الحرة قال عنه زميله G.H. Bousquet «إن بيرك رجل يحب مهنته ولا يود الاشتغال بالتعليم الجامعي»(بتصرف) فعمله في الرقابة المدنية بالمغرب تحت الانتداب الفرنسي، كان جد مواتي له لإجراء الملاحظات واستجماع المواد الأنثروبولوجية التي لم تكن متاحة لكثير من الإثنولوجيين في وقته. منذ ذلك الحين وبيرك يعمل بتفان على انجاز مشروعه الخاص بمجال أنثروبولوجيا الحقوق والذي شمل العقود التجارية والرعوية في المغرب.
لقد أنضجت التجربة المهنية لديه معرفته التفصيلية والعميقة بالمغاربة الأهالي، فهو مثلما أسلفنا عين كمراقب للمحاكم المدنية بالمغرب من سنة 1937 الى سنة 1936 ثم نائب بلدي (1937-1940) بعدها التحق بالخدمة السياسية لحماية الرباط (1943-1945) ثم مدير مكتب الدراسات (1945-1947) وذلك قبل أن يعزل بسبب كتاباته وبسبب أيضا الإصلاحات التي أدخلها على الريف المغربي، بعدما ترك وظيفته سنة 1953 استقر به المقام في إحدى المقاطعات المجهولة بالأطلس الكبير، حيث انكب بيرك على كتابة أطروحته المعروفة باسم Les Structures Sociales du Haut-Atlas سنة1955، لقد فتح له هذا الانجاز أبواب الكوليج دو فرانس الذي أصبح يرأس فيه كرسي التاريخ الاجتماعي للإسلام المعاصر لمدة ربع قرن، كما كان يشغل في الوقت ذاته منصب مدير الدراسات بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا أين أشرف على العديد من رسائل الدكتوراه. بعد عامين من عمله بكوليج دو فرانس عين بيرك خبيرا تربويا لدى UNESCO في كل من مصر ولبنان. تقاعد بيرك عن عمله سنة 1980 ليجد نفسه بعد ذلك مستشارا لوزارة التربية الوطنية بالرغم من ذلك فإن تلك الوظائف المتراكمة لم تحُله عن انجاز مشروعه الكبير والمتمثل في ترجمة معاني القرآن الكريم، الذي بدأه بيرك سنة 1982 وانتهى منها سنة 1995 أي قبيل وفاته مباشرة إذ وافته المنية في يوم 27 جوان سنة1995 وذلك اثر أزمة قلبية ألمت به وهو جالس يعمل داخل مكتبته.
|