هناك أربعة أصناف للفعل رصدها موس، البعض منها يبدوا ظاهريا مناصرا لفكرة المصلحة لكنه في العمق هو يمنح الأولوية للبعد العفوي في التبادل مع الآخرين، والبعض الآخر يؤكد على أهمية الطقوس والصنف الثالث يقوم على فكرة الجبر الاجتماعي لفعل الخير، أما الصنف الأخير فهو يحبذ طريق الحرية والإبداع، هذه هي بحسب موس المحركات الأربعة للهبة التي لا تشبه بحال -على الأقل نظريا- نموذج الفيضية المنهجية. من هنا فإن مصطلح الهبة لا يمكنه أن يعمل بحسب موس إلا إذا اجتمعت فيه المفردات الأربعة التالية المتمثلة في الإلزام والمصلحة الوسائلية والعفوية ثم في الأخير المتعة. إن الهبة لا تتبلور إلا بين الأشخاص الحقيقيين المختلفين الذين تكون العداوة بينهم واردة فتجبرهم الهبة على التبادل الملزم وعلى التحدي وعلى العمل الخيري، لكن في ذات الوقت لا تفسر الهبة على أنها خطاب للمصلحة والإلزام أو الصداقة والفعل العفوي فقط، إنما هي أيضا عبارة عن رهان منفرد يجمع الأشخاص ويجمع معهم وبشكل متجدد المصلحة والمحبة والإلزام والعطاء في آن واحد. إن ذلك كله يجد مرجعيته الأصلية في واقع الأمر في مبدأ الوجود والعدم الفلسفيين، ففي تحليله لغريزتي الحياة والموت d’eros et de thanatos أكد موس أن وجود الحياة الاجتماعية إنما هو مرتبط بذلك التعارض الموجود بين تلك الغريزتين البدائيتين ويشمل بشكل متضارب الرغبة في الحرب والتناحر والانفراد من جهة والرغبة في السلام والانسجام والتحالف ومحبة الآخرين من جهة أخرى .
|