إن الإنسان في عرف م. موس ليس بالمخلوق الطبيعي، بل هو عبارة عن ذات تتكيف وتتحول بحسب اندماجها واختلاطها بالعالم الفيزيقي. بناء على هذا الطرح تصنف الحضارات وترتب فهي تتمتع بقدرات هائلة تفوق حدود المجتمع، فتزود الإنسان بالوسائل المادية التي على أساسها يتفاعل مع وسطه فمن خلال فن الممارسة يرسم الإنسان حدوده، فهو في الوقت الذي يتقدم فيه داخل الطبيعة لا يخرج عن حدودها بل يكيف تقدمه معها. إنه يتماهى مع النظام الميكانيكي الفيزيقي والكيميائي. إنه ينتج في الوقت الذي يعيد إنتاج نفسه، فوسائل عيشه التي يبتكرها تصبح هي ذاتها ذات طبيعة إنسانية خالصة، وتفكيره الذي يداعب خياله ويراوده إنما هو بدوره جزء أصيل مسجل ومنتمي الى عالم الأشياء (Mauss, 1927 :197) . لذلك فإن «البشر ومهما توالت المجتمعات وتعاقبت فإنهم يعرفون وبشكل تقليدي كيف يستخدمون أجسادهم»(Mauss, 1934 :365), . لا يمكننا أن نغفل هنا مؤثرات التربية فهي من تصنع الفارق، فإدماج الأفراد لسلوكياتهم داخل المجتمع يتطلب إذنا من سلطة هذا الأخير. «ما يعنى أن ثمة قوة سوسيولوجية تتحكم في جميع تلك الأفعال».
إن ميزة تلك «الخلطة الفزيو-سيكو-سوسيولوجية الخاصة بسلسلة الأفعال» أنها تأتي من الحياة المعتادة للأفراد وبالتالي يسهل ملاحظتها، فهي تشكل ثروة من المعلومات بالنسبة الى علوم الإنسان الشامل. تقنيات الجسد على سبيل المثال هي منظومة متكاملة تختلف باختلاف المجتمعات واختلاف الأعمار وكذا الجنس، إننا نستطيع بذلك أن نحصي أصناف متعددة من الدلالات ومن المعاني خصوصا عندما نواجه العمل الميداني، لنضرب على ذلك مثالا. إن الرضع الذين يوضعون على المهد (الدوح) والذين لا يوضعون إنما يدل على وجود مسلكين مختلفين في التعامل البشري مع تنشئة الطفل وعليه فإنه من خلال تلك التقنية نستطيع أن نقسم الإنسانية الى صنفين اثنين، ربما هذا ما دفع بكل من موس وهالوبوك الى التفكير في البحث عن الجذور السيكولوجية للمجوعات الاجتماعية.
لقد سجل موس في هذا الإطار سنة 1925 أهمية الإيقاع أثناء الرقص الذي تتشابك فيه دقات القلب بالتنفس المنسجم مع حركة العضلات ويرسم من خلاله الراقص سلسلة من صور، أنه على الرغم من قد يكون الدافع وراء ذلك هو البحث عن حالة السكر والانتشاء، إلا أنه ومن الناحية السوسيولوجية فإن تعلم تقنيات الجسد له مكانته الخاصة ضمن «الظواهر العمومية المتصلة بالروابط وبالعلاقات الجارية بين المجتمعات». إن الرقص بهذا المعنى يلعب دورا إدماجيا للأجيال اللاحقة .
|
Définition
|