العلمنة
Mokhtar Meroufel | La(es) source(s) |
---|
لقد وضع دوركايم نظرية متكاملة للعلمنة، وذلك منذ انجاز أطروحته عام 1893 ومنذ كتابة الانتحار عام 1897. إن تحليله وإن لم يشمل كل الفعل الديني إلا أن كتاب الانتحار قد فتح الباب أمام التفاؤل بالحداثة وبتطوير شروط الفردنة. من حينها تعاظم لديه موضوع العلمنة مقابل موضوع المقدس، فبدأ ينظر إلى الدين على أنه ″شيء اجتماعي″، يفرض على الأفراد أشياء هي ليست بالضرورة من أولوياتهم الخاصة كالاعتداء على الآلهات مثلا سرعان ما يتحول إلى اعتداء على المجتمع، لذلك فإن الصراعات الأكثر خطورة هي تلك التي تستهدف الضمير الجمعي، ″إننا عندما ندين جريمة ما ليس لأجل تحقيق انتقام شخصي على الفرد، بل لأن هناك شيء مقدس ما يخالط مشاعرنا قد مُسً هو يتجاوزنا ويتحكم فينا من الفوق″ يقول دوركايم (Durkheim, 1897 :67-68) ، هذا المشهد يبدو أكثر وضوحا في المجتمعات التقليدية التي تغمرها المشاعر الدينية، من هنا فإن التوبة من الجريمة والتكفير عن الذنوب لدى هذه المجتمعات تعدان أقوى من العقوبات الردعية، إن الجريمة هنا هي بمثابة الكفر (Durkheim, 1897 :103-105) .
لقد رد دوركايم أثناء صياغاته الأولى لكتاب الأشكال، قوة الدين إلى الضغط الحاصل من الضمير الجمعي فالمجتمع هو القوة القاهرة التي لا يمكن للفرد أن يصمد أمامها، لكن بمجرد ما تتحرك التباينات في مختلف الأنشطة الاجتماعية، فإن التقسيم الاجتماعي للعمل سيجعل الضمير الجمعي ينحصر ويتراجع وستعمل التخصصية المهنية من جهتها كذلك على تعميق هذه المسألة(Durkheim, 1897 :142-144) ، نلاحظ هذا التراجع أيضا عندما تسحب القداسة من القانون(Durkheim, 1897 :136-137) . إن هذا النموذج من المجتمعات، معروف بتدني مستوى تقسيم العمل المتصل بالتقسيم الجنسي وبتباين الأجيال، فالشباب هنا يخضعون تقليديا إلى سلطة الكهول والضمير الجمعي يطاول الجميع ولا يستثني من ذلك أحد. إن الضمير الجمعي والدين هنا يتطابقان(Durkheim, 1897 :142-144) ، إننا بذلك بصدد لحظة نشوء علم الاجتماع الذي بدأ يتوسع بفعل ظهور مجموعات فرعية أصلية تتميز بالاستقلالية، فلم يعد التضامن الآلي(هناك من يطلق عليه اسم التساند الآلي) وحده المسيطر، إنما أضيف إليه التضامن العضوي(التساند العضوي) أيضا. ولا التشابه كذلك السمة الوحيدة إنما أضيف إليها الاختلاف، فتراجعت مع هذا السياق الجديد الهوية ليحل محلها التكامل، فنحن إذن أمام مورفولوجية اجتماعية جديدة لا تقارن بأي حال بديدان الأرض التي تشبه التجمعات الانقسامية، لكنها تقارن بالتنظيمات المعقدة التي لها جهازا عصبيا معقدا. إن المستفيد الأكبر من هذا التطور الحاصل هو الفرد الذي كان من ذي قبل ذائبا في المجموعة ولا يعترف به إلا ضمن الحس المشترك مع الآخرين. إن التضامن الحاصل بين تقدم التقسيم الاجتماعي للعمل من جهة، وبين الفرد من جهة أخرى سمح لهذا الأخير بالظهور وبالاعتراف به، حيث أصبح يعمل لصالح المجتمع وليس لصالح الشخص. إن مفهوم العلمانية أو العلمنة هو موضوع شائك في واقع الأمر، فهو محل نزاع وتجاذب بين الكتاب العرب تغذيه في ذلك، المواقف الأيديولوجية والسياسية بحيث يتمترس معظم ألئك الكتاب وراء هذه الخلفيات عندما يتعلق الأمر بتوظيف هذا المصطلح، فمنهم من استند بشكل واضح وصريح على المرجعية الغربية في تحليله وتفسيره للمعوقات التي تحول دون تقدم العلمانية داخل الوطن العربي، أذكر من بينهم صادق جلال العظم مثلا وكتابه حول العلمانية والعرب، أو عزيز العظمة وكتابه العلمانية من منظور مختلف، وهناك من فضل اتجاها وسطيا متصالحا مع الموروث الثقافي العربي، أذكر منهم على سبيل المثال، عبد الوهاب المسيري وكتابه العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة . |
Définition |
---|